الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (35): {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)}{وَإِن كَانَ كَبُرَ} أي شق وعظم وأتى بكان على ما قيل ليبقى الشرط على المضي ولا ينقلب مستقبلًا لأن كان لقوة دلالته على المضي لا تقلبه إن للاستقبال بخلاف سائر الأفعال وهو مذهب المبرد، والنحويون يؤولون ذلك بنحو وإن تبين وظهر أنه كبر {عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} أي الكفار عن الايمان بك وا جئت به من القرآن المجيد حسا يفصح عنه قولهم فيه أساطير الأولين وينبئ عنه فعلهم من النأي والنهي، ولعل التعبير بالإعراض دون التكذيب مع أن التسلية على ما ينبئ عنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ} [الأنعام: 34] كانت عنه لتهويل أمر التكذيب وهو فاعل {كَبُرَ}، وتقديم الجار والمجرور لما مر مرارًا. والجملة خبر {كَانَ} مفسرة لاسمها الذي هو ضمير الشأن. ولا حاجة إلى تقدير قد، وقيل: اسم كان {إِعْرَاضُهُمْ}، و{كَبُرَ} مع فاعله المستتر الراجع إلى الاسم خبر لها مقدم على اسمها، والكلام استئناف مسوق لتأكيد إيجاب الصبر المستفاد من التسلية ببيان أن ذلك أمر لا محيد عنه أصلًا. وفي بعض الآثار أن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في محضر من قريش فقالوا: يا محمد ائتنا بآية من عند الله تعالى كما كانت الأنبياء تفعل وإنا نصدقك فأبى الله تعالى أن يأتيهم بآية مما اقترحوا فأعرضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك عليه عليه الصلاة والسلام لما أنه كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على إيمان قومه فكان إذا سألوه آية يود أن ينزلها الله تعالى طمعًا في إيمانهم فنزلت: {فَإِن استطعت} أي إن قدرت وتهيأ لك {أَن تَبْتَغِىَ} أي تطلب {نَفَقًا فِي الأرض} «هو السَّرَب فيها له مخلص إلى مكان» كما في القاموس، وأصل معناه جحر اليربوع، ومنه «النافقاء لأحد منافذه، ويقال لها النُفَقَة كهُمَزَة وهي التي يكتمها ويظهر غيرها فإذا أُتِيَ من القاصِعَاء ضربها برأسه فانتفق» ومنه أخذ النفاق، والجار متعلق حذوف وقع صفة {نَفَقًا} والكلام على التجريد في رأي، وجوز تعلقه بتبتغي وحذوف وقع حالًا من ضميره المستتر أي نفقًا كائنًا في الأرض أو تبتغي في الأرض أو تبتغي أنت حال كونك في الأرض {أَوْ سُلَّمًا فِي السماء} أي مرقاة فيها أخذًا من السلامة، قال الزجاج: لأنه الذي يسلمك إلى مصعدك، وهو كما قال الفراء: مذكر واستشهدوا لتذكيره بقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور: 38] ثم قال: وأنشدت في تأنيثه بيتًا أنسيته انتهى. قال الغضايري: البيت الذي أنسيه الفراء بيت أوس وهو:وأنشدوا أيضًا في تذكيره: يريد أن يعربه فيعجمه و{فِى السماء} نظير ما في الجار قبله من الاحتمالات.{فَتَأْتِيَهُمْ} أي منهما {بِئَايَةٍ} مما اقترحوه من الآيات. والفاء في صدر هذه الشرطية جوابية وجواب الشرط فيها محذوف. ولك تقديره أتيت بصيغة الخبر أو فافعل فعل أمر؛ والجملة جواب للشرط الأول، والمعنى إن شق عليك إعراضهم عن الإيمان وأحببت أن تجيبهم عما سألوه اقتراحًا ليؤمنوا فإن استطعت كذا فتأتيهم بآية فافعل، وفيه إشارة إلى مزيد حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمان قومه وتحصيل مطلوبهم واقتراحهم مع الإيماء إلى توبيخ القوم أو المعنى أن شق عليك إعراضهم فلو قدرت أن تأتي بالمحال أتيت به، والمقصود بيان أنه صلى الله عليه وسلم بلغ في الحرص على إيمانهم إلى هذه الغاية، وفيه إشعار ببعد إسلامهم عن دائرة الوجود كما لا يخفى على المتدبر، وإيثار الابتغاء على الاتخاذ ونحوه للإيذان بأن ما ذكر من النفق والسلم مما لا يستطيع ابتغاءه فكيف باتخاذه. وجوز أن يكون ابتغاء ذينك الأمرين أعني نفس النفوذ في الأرض والصعود إلى السماء آية، فالفاء في {فَتَأْتِيَهُمْ} حينئذ تفسيرية وتنوين {ءايَةً} للتفخيم، والمعنى عليه فإن استطعت ابتغاءهما فتجعل ذلك آية لهم فعلت. ورده أبو حيان بأن هذا لا يظهر من ظاهر اللفظ إذ لو كان كذلك لكان التركيب فتأتيهم بذلك آية أي أية، وأيضًا فأي آية في دخول سرب في الأرض وإن صح أن يكون الرقي إلى السماء آية، وما ذكرناه من أن إيتاء الآية منهما هو الظاهر المتبادر إلى الأذهان. ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: إن المراد فتأتيهم بآية من السماء وابتغاء النفق للهرب، وأيد بما أخرجه الطستي عن نافع بن الأزرق أنه قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أخبرني عن قوله تعالى: {فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِىَ نَفَقًا فِي الأرض} فقال رضي الله تعالى عنه سربًا في الأرض فتذهب هربًا وفيه بعد، وخبر ابن الأزرق قد قيل فيه ما قيل.{وَلَوْ شَاء الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى} أي لو شاء الله تعالى جمعهم على ما أنتم عليه من الهدى لجمعهم عليه بأن يوفقهم للإيمان فيؤمنوا معكم ولكن لم يشأ ذلك سبحانه لسوء اختيارهم حسا علمه الله تعالى منهم في أزل الآزال، وقالت المعتزلة: المراد لو شاء سبحانه جمعهم على الهدى لفعل بأن يأتيهم بآية ملجئة إليه لكنه جل شأنه لم يفعل ذلك لخروجه عن الحكمة، والحق ما عليه أهل السنة.{فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين} أي إذا عرفت أنه سبحانه لم يشأ هدايتهم وإيمانهم فلا تكن بالحرص الشديد على إسلامهم أو الميل إلى نزول مقترحاتهم من قوم ينسبون إلى الجهل بدقائق شؤونه تعالى، وجوز أن يراد بالجاهلين على ما نقل عن المعتزلة المقترحون، ويراد بالنهي منعه صلى الله عليه وسلم من المساعدة على اقتراحهم، وإيرادهم بعنوان الجهل دون الكفر لتحقق مناط النهي. وقال الجبائي: المراد لا تجزع في مواطن الصبر فيقارب حالك حال الجاهلين بأن تسلك سبيلهم والأول أولى، وفي خطابه سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب دون خطابه بما خوطب به نوح عليه السلام من قوله سبحانه: {إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين} [هود: 46] إشارة إلى مزيد شفقته صلى الله عليه وسلم واشتباب حرصه عليه الصلاة والسلام فافهم هذا.ومن باب الإشارة في الآيات: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اليل والنهار} يحتمل أن يكون الليل والنهار إشارة إلى قلب الكافر وقلب المؤمن وما سكن فيهما الكفر والإيمان ومعنى كون ذلك له سبحانه أنه من آثار جلاله وجماله، ويحتمل أن يكون إشارة إلى قلب العارف في حالتي القبض والبسط فكأنه قيل: وله ما سكن في قلوب العارفين المنقبضة والمنبسطة من آثار التجليات فلا تلتفت في الحالتين إلى سواه عز شأنه {وَهُوَ السميع العليم} [الأنعام: 13] فيسمع خواطرها السيئة والحسنة ويعلم شرها وخيرها أو فيسمع أنينها في شوقه ويعلم انسهابه أو نحو ذلك. {قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيًّا} أي ناصرًا ومعينًا {فَاطِرَ السموات والأرض} أي مبدعهما فهي ملكه سبحانه ونسبة المملوك إلى المالك نسبة اللاشيء إلى الشيء {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} فهو الغني المطلق وغيره جل شأنه محتاج بحت وطلب المحتاج من المحتاج سفه في رأيه وضلة من عقله {قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} نفسه لربه عز شأنه، والمراد بالأمر بذلك الأمر الكوني أي: قل إني قيل لي: كن أول من أسلم فكنت، وذلك قبل ظهور هذه التعينات وإليه الإشارة بما شاع من قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين» فأول روح ركضت في ميدان الخضوع والانقياد والمحبة روح نبينا صلى الله عليه وسلم وقد أسلم نفسه لمولاه بلا واسطة وكل إخوانه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما أسلموا نفوسهم بواسطته عليه الصلاة والسلام، فهو صلى الله عليه وسلم المرسل إلى الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام في عالم الأرواح وكلهم أمته وهم نوابه في عالم الشهادة، ولا ينافي ذلك أمره عليه الصلاة والسلام باتباع بعضهم في النشأة الجسمانية لأن ذلك لمحض استجلاب المعتقدين بأولئك البعض على أحسن وجه {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [الأنعام: 14] أي وقيل لي: لا تكونن ممن أشرك مع الله تعالى أحدًا بشيء من الأشياء. {وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ} بإفنائهم والتصرف بهم كيف شاء {وَهُوَ الحكيم} أي الذي يفعل ما يفعل في عباده بالحكمة {الخبير} [الأنعام: 18] الذي يطلع على خفايا الأحوال ومراتب الاستحقاق {قُلْ أَىُّ شَيْء أَكْبَرُ شهادة قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19] بإظهار المعجزات، وأعظم من ذلك عند العارفين ظهور أنوار الله تعالى في مرآة وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم {الذين آتيناهم الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} [الأنعام: 20] وذلك بالصفات التي وجدوها في كتابهم لا بالنور المتلألئ على صفحات ذلك الوجه الكريم {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} بإثبات وجود غيره تعالى أو كذب بآياته فأظهر صفات نفسه {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} [الأنعام: 21] لاحتجابهم بما وضعوه في موضع ذات الله تعالى وصفاته جل وعلا {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} وهو يوم القيامة الكبرى وعين الجمع {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ} بإثبات الغير {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعم: 22] أنهم شركاء ولهم وجود {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} أي نهاية شركهم عند ظهور الأمر وبروز الكل لله الواحد القهار {إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] لامتناع وجود شيء نشركه {انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ} بنفي الشرك عنها مع رسوخ ذلك الاعتقاد فيها {وَضَلَّ} أي ضاع {عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 24] فلم يجدوه {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} من حيث أنت {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} حسا اقتضاه استعدادهم {أَن يَفْقَهُوهُ} وهي ظلمات النفس الأمارة {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ} وهو وقر الضلالة {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ} [الأنعام: 25] لأن على أبصارهم غشاوة العجب والجهل {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار} وهي نار الحرمان {فَقَالُواْ ياليتنا ياليتنا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ بئايات رَبّنَا} من تجليات صفاته {وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} [الأنعام: 72] أي الموحدين {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ} في أنفسهم من الملكات الرديئة والهيئات المظلمة والصفات المهلكة {وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} لرسوخ ذلك فيهم {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} [الأنعام: 28] في الدنيا والآخرة لأن الكذب عن ملكة فيهم {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبّهِمْ} [الأنعام: 30] الآية قال بعض أهل التأويل: هذا تصوير لحالهم في الاحتجاب والبعد وإن كانوا في عين الجمع المطلق، والوقوف على الشيء غير الوقوف معه فإن الأول: لا يكون إلا كرهًا والثاني: يكون طوعًا ورغبة، فالواقف مع الله سبحانه بالتوحيد لا يوقف للحساب، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشى يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28] {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْء} [الأنعام: 52] ويثاب هذا بأنواع النعيم في الجنان كلها. ومن وقف مع الغير بالشرك وقف على الرب تعالى وعذب بأنواع العذاب لأن الشرك ظلم عظيم.ومن وقف مع الناسوت حبة الشهوات وقف على الملكوت وعذب بنيران الحرمان وسلط عليه زبانية الهيئات المظلمة وقرن بشياطين الأهواء المردية، ومن وقف مع الأفعال وقف على الجبروت وعذب بنار الطمع والرجاء ورد إلى مقام الملكوت، ومن وقف مع الصفات وقف على الذات وعذب بنار الشوق والهجران. وليس هذا هو الوقوف عل الرب لأن فيه حجاب الأنية وفي الوقوف على الذات معرفة الرب الموصوف بصفات اللطف. والمشرك موقوف أولًا على الرب فيحجب بالرد والطرد {اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ} [المؤمنون: 108] ثم على الجبروت فيطرد بالسخط واللعن {وَلاَ يُكَلّمُهُمُ الله وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة} [آل عمران: 77] ثم على الملكوت فيزجر بالغضب واللعن {قِيلَ ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} [الزمر: 72] ثم على النار يسجرون فيعذب بأنواع النيران أبدًا فيكون وقفه على النار متأخرًا عن وقفه على الرب تعالى معلولًا له كما قال تعالى: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد بما كَانُواْ يَكْفُرُونَ} [يونس: 70] وأما الواقف مع الناسوت فيوقف للحساب على الملكوت ثم على النار. وقد ينجو لعدم السخط وقد لا ينجو لوجوده. والواقف مع الأفعال لا يوقف على النار أصلًا بل يحاسب ويدخل الجنة. وأما الواقف مع الصفات فهو من الذين رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه انتهى. فتأمل فيه {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله حتى إِذَا جَاءتْهُمُ الساعة بَغْتَةً} وهي القيامة الصغرى أعني الموت. حكي عن بعض الكبار أنه قيل له: إن فلانًا مات فجأة فقال: لا عجب إذ من لم يمت فجأة مرض فجأة فمات {قَالُواْ يأَبَانَا ياحسرتنا على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} أي في حق تلك الساعة بترك العمل النافع {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ} [الأنعام: 31] تصوير لحالهم {وَمَا الحياة الدنيا} أي الحياة الحسية فإن المحسوس أدنى وأقرب من المعقول: {إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} لا أصل له ولا حقيقة سريع الفناء والانقضاء {وللدار الآخرة} أي عالم الروحانيات {خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 32] وهم المتجردون عن ملابس الصفات البشرية واللذات البدنية {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ} لمقتضى البشرية {الذى يَقُولُونَ} ما يقولون {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ} في الحقيقة {ولكن الظالمين بئايات الله} التي تجلى بها {يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33] فهو سبحانه ينتقم منهم {وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ على مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حتى أتاهم نَصْرُنَا} فتأس بهم وانتظر الغاية {وَلاَ مُبَدّلَ لكلمات الله} [الأنعام: 34] التي يتجلى بها لعباده فليطمئن قلبك ولا تكونن من الجاهلين الذين لا يطلعون على حكمة تفاوت الاستعدادات فتتأسف على احتجاب من احتجب وتكذيب من كذب. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
|